الخميس، 20 ديسمبر 2012

الرئيسية البصل: غذاء ودواء

البصل: غذاء ودواء


البصل: غذاء ودواء

سواء أكان لاذعا أم حلوا، فإن هذا النوع من الخضر يكاد يكون عنصراً ملازما لكل طعام رئيسي يدخله الملح.

قال الكاتب الأمريكي الشهير روبرت لويس ستيفنسونفي في البصل أنه “وردة بين الجذور”. وكمعظمنا، كان سيد الألفاظ هذا يجهل حقيقة البصل. فهذا النوع من الخضر يمنو من بصلة، لا من جذر، شأنه في ذالك شأن أكثر من 500 نبتة أخرى منها النرجس والزنبق.
والحق أن البصل كان ليغدو نرجسا لولا فارق بسيط في مقدار اللقاحالذي يحمله الهواء. إلا أنه، وقد احتل مكان الصدارة في المطبخ عوضا عن تزيينه زهرية أنيقة، صار من أهم الخضر التي تعرفها جميع الشعوب، وفرض رائحته وطعمه الحادين على الأذواق.
والبصل يحسن مذاق معظم الأطعمة باستثناء الحلويات. وتكمن اضافته الى الحساء والسلطة والخبز والمآكل المحشوة باللحم والمعجنات، سواء أكان أبيض أم أصفر أم أحمر أم أخضر. وفي الإمكان كذلك اعتماده طعاما رئيسيا بعد طبخه أو سلقه أو شيه أو مزجه بالقشدة أو تركه نيئا. والبصل مفيد صحيا لاحتوائه على الكالسيوم والحديد والنياسين والبروتين وضروب الفيتامين.
وثمة نوع من البصل هو القفلوط الاخضر الذي دخل فرنسا عن طريق سورية في القرن الحادي عشر، ابان الحروب الصليبية، وبات يتمتع بميزات طهوية فريدة في المطبخ الفرنسي الراقي. وقد استغل الفرنسيون نضارته وحلاوة طهمه واستعملوه عنصرا رئيسيا للمرق الفاخر بعد قليه في قليل من الدهن.
غير أن البصل المعروف على نطاق واسع حول العالم هو ذاك النوع الجاف الضارب إلى الصفرة الذي يستعمل للطبخ. ويعود إلى الفرنسيين فضل استخدامه في الحساء حتى بات حساء البصل صحنا مفضلا لدى شعوب عديدة. وإليهم كذلك يعزى ابتكار قليه بالزيت أو السمنبعد قطعه دوائر حتى أصبح يبز البطاطا المقلية على طريقة الفرنجية.

له خصائص طبية

ان للبصل فضلا يتجاوز سحر طعمه. والحق أن البصل كاد أن يغير وجه التاريخ. ففي ذروة الحرب الأهلية الأمريكية، وجه القائد الجنرال يوليسيس غرانت رسالة عاجلة إلى وزارة الحربية جاء فيها: “لن يتحرك جنودي إلا بالبصل”. وفي اليوم التالي كانت ثلاثة قطارات محملة بصلا في طريقها إليه. وكان الجنرال غرانت يظن أن البصل يمنع داء الزحار (الديزنظاريا) وسواه من العلل.
 ولم يكن غرانت وحيدا في اعتناق تلك الفكرة. فمند اكتشاف البصل في آسيا الوسطى قبل خمسة آلاف سنة ونيف، ساد الإعتقاد أن البصل يحوي خصائص طبية بارزة. فقد آمن   ابقراط _ أبو الطيب _ بأن البصل يفيد البصر. وقد جاء في كتاب نشر عام 1596بعنوان “الاعشاب العظيمة” أن عصير البصل يتيح للشعر ان ينمو على رأس أصلع وأنه يشفي نوبات الالم وعض الكلاب. وقد ظن كذلك أن البصل يشفي الزكام ويطهر الجسم ويقضي على داء المفاصل ويخفف حدة الإجهاد ويفيد القناة الهضمية.
وجدير بالذكر أن الإستقصاءات العلمية بينت صحة بعض هذه الخصائص. فقد أجريت تجارب في بريطانيا، قبل 12 سنة، أظهرت أن نزلاء المستشفيات الذين قدمت اليهم وجبات يطغى عليها البصل كان تخثر الدم لديهم أقل منه لدى مجموعة اختبارية أخرى لم يتناول أفرادها البصل. كما توصل بحاثة أمريكيون حديثا إلى استخراج مادة كيميائية من البصل اسمها “بروستاغلاندين ألف _ واحد”، ذات فاعلية في تخفيف الإجهاد المفرط.
 كلنا يعرف أن للبصل صفة واحدة فذة، ألا وهي حملنا على البكاء. فهذه النبتة اللاذعة، التي كادت أن تكون زهرة عطرة، تنطوي على مادة مركبة سريعة الإثارة اسمها “ بروبانيثيال اس _ أوكسيد”.
وعندما تنطلق هذه المادة إلى الهواء بفعل قشر البصل وقطعه، تنحل في كمية الماء القليلة في العينين، فيتولد عن هذا التفاعل حامض الكبريت، وهو مادة مهيجة تستدر الدمع.

عبادة البصل

لكن يبدو أن هذه المسألة لم تكن ذات بال بالنسبة إلى العبيد المصريين الذين أكثرو من أكل البصل والثوم طلبا للطاقة اللازمة لتشييد الاهرام. وربما كان البصل من أقدم الخضر التي غرسها الإنسان، كما تشهد النقوش على المقابر المصرية التي ترقى إلى الالف الثالث قبل الميلاد. وكان المصريون القدماء يقسمون بوضع اليد اليمنى على بصلة، إيمانا منهم بأنها ترمز إلى الخلود لما فيها من طبقات متراصةبعضها فوق بعض. وهناك نوع من البصل عبده قدامى المصريين بعد رفعه إلى مصاف الآلهة.
 وفي الغرب أيضا نظر إلى البصل كأكثر من غذاء. ففي روما، امتدح الامبراطور الروماني نيرون البصل لأنه أعاته على تحسين صوته. وفي القرون الوسطى عمد الأوروبيون أحيانا إلى دفع البصل بدلا لإيجار البيوت وإهدائه في مناسبات الزواج.
 وهناك كتابات تصف طرقا متنوعة لزراعة البصل وطبخه وكانت سائدة في حدود العام 1570. ويبدو أن بعض أنواع البصل آنذاك اشتهر للونه وحلاوته وطراوته، ومنه البرمودي والإسباني والإيطالي الأحمر.
 وفي الولايات المتحدة اليوم نحو ألفي صنف من البصل. وقد تم تحقيق هذه الوفرة بفضل أشخاص أبرزهم هنري جونز، مدير البحوث اليابق في “شركة الصحراء للبذور” ومركزها بلدة “ال _ سنترو” في ولاية كاليفورنيا، وهو من أكبر مزارعي البصل الأمريكيين، وأحد مؤلفي الكتاب الوحيد الكاملعن البصل بعنوان: «البصل وحلفاؤه”. وكان جونز قد حقق أولى التجارب الحاسمة في توليد البصل عام 1943. وأسفر حسن اختياره وتهجينه عن زيادة الإنتاج بالنسبة إلى المساحة، وجاء البصل المولد شبيها بعضه ببعض وأكثر مقاومة للآفات، كما بلغ وزن البصلة الجديدة ثلاثة أضعاف الأصلية.
 وفي ولاية جورجيا، كاد أحد أصناف البصل المولد في مزارج جونز ان يؤدي إلى حرب محلية. وهذا الصنف الذي تبناه مزارعو البصل في بلدة فيداليا من أعمال جورجيا هو من الطراوة والنضارة بحيث يمكن أكله نيئا كالتفاح كما يزعم المحليون. لذلك بلغ ثمنه ضعفي ثمن معظم الأصناف الأخرى، وبات يصدر إلى أماكن كثيرة في العالم. ولم تنشأ المشكلة إلا حين ادعت كل من أربع مقاطعات في جورجيا ان الفضل يعود إليها في تنمية أول نوع من الفيداليا، وأخدت تتبارى في المهرجانات وعروض الطبخ وتنتخب “ ملكة البصل” سنويا.

نوعان رئيسيان

يمكن تصنيف البصل ضمن خانتين رئيسيتين وهما الأخضر واليابس. النوع الأخضر، أي القفلوط يقطف حين تكون رؤوس النبات خضراء ورخصة، وذلك قبل اكتمال نمو البصلة الأم تحت الأرض. والجزءان، الأخضر والأبيض، لذيذا الطع.
 أما النوع الأخر، اليابس أو الجاف، فلا يعبر اسمه عن حقيقته. ذلك أن القشرة الخارجية جافة، أما الداخل فهو رطب طازج. ولكن قبل ارسال هذا البصل الخاص بالطبخ إلى الأسواق، تجف قشرته الخارجية  في احقول، وغالبا في مصانع خاصة عبر الهواء الحار الجاف.
 إلا أن أشد المتحمسين للبصل هم خبراء الطعام الممتهنون. ويضع الطباخ الشهير انطوان جيلي البصل في رأس قائمته، قائلا أنه كان من العسير أن يرتفع في مهنته لولا فضائل البصل التي لا تضاهى.
 وقد عبر أحد ذواقي القرن التاسع عشر عن حسنات البصل بالآتي: «لولا البصل لما وجد فن الطبخ الفاخر. وإذا أنت أقصيت هذا العنصر عن المطبخ، أقصيت معه مباهج الأكل جميعا. إن البصل يضفي اللون والسحر على أبسط أنواع المآكل. أما غيابه فيسلب ألذ الطعام نكهته ويبعث القنوط في نفس الساعي إلى الأكل الشهي”.

دليل الشاري

 البصل الأخضر يجب أن يكون صغيرا وهشا ورخصا، وأن تكون رؤوسه خضراء نضرة  وأعناقه متوسطة الحجم ولنه حسن البياض حتى ارتفاع خمسة سنتيمترات أو سبعة من الجذر. وبما أنه سريع العطب، وجب خزنه ضمن كيس من النايلون في القسم الخاص بالخضر داخل البراد.
 البصل الجاف يجب أن يكون قاسيا وقصير العنق، وأن يكون قشره الخارجي رقيقا وخاليا من حروق الشمس والعيوب الأخرى، وعلى الشاري أن يتجنب البصل الجاف إذا كانت أعنافه رطبة أو طرية جدا وإذا كانت ثخينة أو فارغة أو متحجرة أو إذا نتأت منها رؤوس خضراء. والحجم لا يؤثر على النوعية. فالبصل الكبير يستعمل للفرم والمتوسط للحشو أو السلق والصغير للسلق أو الأكل نيئا.
ومهما يكن نوع البصل أو حجمه، فالطهو يجعله حلو المذاق. إلا أن الطهو المفرط قد يتسبب في مرارته. وفي المحاشي والطبخ، يفضل استعمال البصل الأبيض الصغير من غير قطعه. ويحسن استعمال البصل الطري للسندويش والسلطة. أما في الحساء الذي يحوي الحليب أو القشدة، فيفضل قشر البصل لتخفيف حدته.
وينبغي حفظ بصل المونة في مكان جاف وحسن التهوئة. وبدلا من وضعه بعضا فوق بعض، يجب وضع كل بصلة بمفردها. ويمكن الإحتفاظ بالبصل المفروم طازجا مدة أسبوع كامل إذا وضع في البراد ضمن وعاء ذي غطاء ملولب. كذلك يمكن حفظه مدة أطول في الثلاجة (الفريزر) إذا قطع دوائر بعد قشره ولفه بالورق المعدني الخاص بالحلويات.
ومن أجل إزالة رائحة البصل اللاذعة عن اليدين ، ينبغي فركهما بالخل أو الملح أو عصير الليمون الحامض، ثم غسلهما بالماء الساخن مع مقدار كبير من الصابون.
ولتجنب سقوط الدمع، يحسن تبريد البصل قبل ساعتين من قشره، أو انتزاع القشر عنه تحت الماء الجاري.
جاك دنتون سكوت من مجلة المختار العدد 31

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.