موقع شبكة كيف

🔍 هل تبحث عن طرق جديدة لتطوير حياتك؟

اكتشف مقالات رائعة حول كيفية تحسين أسلوب الحياة، تطوير الذات، الصحة النفسية والجسدية، طرق ذكية لتوفير المال، وأحدث ما في عالم التكنولوجيا. موقعنا مليء بالمحتوى العملي والتطبيقي لكل من يبحث عن طريقة أفضل للعيش.

🚀 زوروا شبكة كيف الآن

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

الرئيسية يوميات طفل

يوميات طفل


0

يوميات طفل

ماذا يخطر ببال طفل ينظر إليك؟

ترى ما الذي يجول في ذهن طفل عندما يحدق إلى وجهك؟ وكيف يشعر عندما يجوع؟ وكيف يتأثر بمزاج أمه؟

لقد تأملت ملياً مثل هذه المسائل طوال عقدين من منظار الأب والباحث والطبيب النفساني. ففي الماضي كان الأولياء والعلماء يخمّنون ما يجول في ذهن الطفل، لكن التقدم الذي أحرزته المراقبة العلمية أتاح لنا فرصة الاطلاع على دقائق السنوات الأولى في حياة الانسان.

تحققت هذه الإنجازات جزئيا، لأننا تعلمنا أن نطرح على الأطفال أسئلة يستطيعون الإجابة عنها بأنفسهم. مثلا، هل يستطيع طفل في يومه الثاني التعرف إلى أمه من خلال رائحتها؟ لمعرفة الجواب، وضعنا قماشة مبللة بحليب الأم على وسادة إلى يمين رأس مولودها، ثم وضعنا قماشة ثانية مبللة بحليب أم أخرى إلى الجانب الأيسر، فأدار المولود رأسه نحو اليمين، وعندما بدّلنا موضع القماشتين أدار الطفل رأسه إلى اليسار. فهو، إذاً، لم يتعرف إلى رائحة أمه فحسب، بل فضلها على غيرها وأجاب عن السؤال بتحريك رأسه.

يمتص الأطفال حليب أمهاتهم بدفعات قصيرة، ويستريحون بين مصة وأخرى، وهم قادرون على التحكم بول المصّة وبمدة الاستراحة. ولمعرفة ما يحبّ الأطفال مشاهدته، توضع داخل فم طفل مصّاصة تحوي جهازاً الكترونياً خاصاً، وتوصل بآلة لعرض الشرائح المصورة. فالطفل في شهره الثالث يتعلم بسرعة أن يمصّ كلما أراد مشاهدة صورة جديدة. وهو يقلّب الصور بسرعة تعكس مدى اهتمامه بكل صورة. وهكذا، يتسنى، من خلال عرض صور موفّقة، اكتشاف الذوق البصري لدى الأطفال.

كما يمكن وصل المصاصة المجهزة الكترونياً بآلتي تسجيل، يُسجّل صوت الأم على إحداها ويُسّجل على الأخرى صوت امرأة تتفوه الكلمات ذاتها، اذذاك يمضي الطفل في المص لكي يتسنى له الاستماع إلى صوت أمه وقتاً أطول.

وصقلت تسجيلات الفيديو قدراتنا على مراقبة الأطفال والأهل في آن، وبات في مقدورنا تجميد الصورة وعرض حركات الوجه وتعابيره مراراً وتكراراً. وقد تبين لنا أن الكميرا أداة مهمة للتعرف إلى السلوك البشري، مثلما كام المجهر أداة مهمة في إظهار كائنات حيّة غير مرئية.

اليوميات الآتية في حياة الطفل وليد تجمع بين النظرية والواقع، وقد انبثقت من معرفتنا الحاضرة بالأطفال، وهي تتابع نمو وليد في خمس مراحل، من الطفولة الباكرة إلى السن الرابعة حين يصير قادراً على رواية قصته بنفسه.

الأسبوع السادس

أفاق وليد قبل لحظات، في هذا العمر يكون الطفل في أول عوالمه حيث لا يهتم إلا بالمشاعر … مشاعره هو.

ها هو يحدق إلى بقعة من الجدار غمرتها أشعة الشمس. لم يستأثر باهتمامه في الغرفة سوى هذه البقعة، لأن بريقها فتان آسر، وبصره جيد في هذا العمر، وان يكن لم يكتمل بعد، وهو بات يعي اختلاف الألوان والأشكال وحدّتها، وتمتع منذ ولادته بأفضليات واضحة، تتصدرها حدة اللون.

كيف يعرف وليد أن هذه البقعة المتوهجة بعيدة وليست في متناول يده؟ في هذا العمر يبدأ احتساب المسافات، وقريبا يتمكن من قسمة المدى المحيط به منطقتين مختلفتين: عالماً قريباً في متناول اليد، وآخر بعيداً.

وغالبا ما يحدق الأطفال في هذا العمر إلى الأشياء كأنهم مسمّرون إليها.

اجتذبت رقعة الضوء على الحائط اهتمام وليد كأنها مغنطيس فرآها صفراء على الحائط الأبيض الذي بدا ضارباً إلى الزرقة حيث لم يصل الضوء، وبدت الألوان الدافئة والحادة، كالأصفر، كأنها تدنو، فيما بدت الألوان الفاهية، كالأزرق، كأنها ترتدّ إلى الوراء، وهكذا تراءى لوليد أن البقعة المشمسة تتقدم منه والفسحة المحيطة بها تتراجع، واستأثر عرض الإضاءة هذا بجهازه العصبي.

قد يشعر الأولياء بخيبة وانزعاج في مثل هذه اللحظات من حياة الطفل. تصوروا أنكم تحملون طفلة في الأسبوع السادس وتنظرون إليها وجهاً لوجه، أنتم تريدون اللعب وهي شاخصة إلى نقطة معينة كبقعة مشمسة أو كخط التقاء جبينكم وشعركم، فتبتسمون لتحوّلوا نظرها من دون جدوى، وقد يحاول بعضكم إلهامها بهزها أو برسم تعابير مضحكة على الوجه، ويعتقد كثيرون أن هذه النظرات المسمّرة تنم عن كراهية أو رفض، لكن هذا غير صحيح.

سئم وليد النظر إلى البقعة المشمسة على رغم افتتانه بها، وراح ينظر إلى أماكن أخرى بحثا عن “تجارب” مختلفة. مرت ساعات منذ تلقى وليد رضعته الأخيرة، وتنامى الجوع في جهازه العصبي كما العاصفة، اتسم جوعه في البداية بالضعف والتقلب، ثم بدأت وخزاته تنعكس حدة في طباعه وتؤثر في حركاته وتنفسه وأحاسيسه.

ومع تحول اهتمامه إلى ما يجري داخله بات غير قادر على رؤية العالم المحيط به إلا نُتفاً، وفيما ازداد جوعه تسارعت أنفاسه وازدادت زخماً وخشونة، وسرعان ما راح ينشج، لكن تنفسه وبكاءه كانا غير متناسقين، إذ كان بكاؤه يطول أحياناً ويكاد يخطف أنفاسه، ولم تعد حركات ذراعيه ورجليه متزامنة ولا متناسقة مع بكائه وتنفسه، وراح العالم يتفكك في نظره.

أخيرا بدأ الجوع يتمركز داخله في مكان أحس كأنه “الوسط” وسرعان ما دفع الألم جهازه العصبي إلى تغيير أدائه، فتحول إلى ايقاع من البكاء هو أقوى ما تستطيعه حنجرته، فالبكاء، على ما يبدو، يريح وليداً وقتياً من الألم، تماما كما “يريح” الصراخ والقفز من ألم اصبع مسحوقة. والبكاء أيضا مؤشر خطر لتنبيه ذويه إلى محنته (وهو مؤشر خسن التصميم استوحيت منه صفارات الشرطة والاسعاف).

أتت أم وليد فتناولته وراحت ترضعه وهي تمسّد شعره وتربّت جسمه وتتكلم إليه برقة لتهدئ باله. عندما يرضع طفل جائع في مثل هذا العمر، فإن كمية قليلة من الحليب تخفف غائلة جوعه، ولكن ما لا تعرفه أم وليد (إلا حدساً) هو أن حملها اياه وضمه إليها هما الأقدر فعلاً على تهدئته.

الشهر الرابع

يجلس وليد في حضن أمه ووجهه إليها، ويبقى الاثنان غارقين طويلا في نظرات صامتة،تبتسم الأم، فيرد وليد الابتسامة للحال، ثم تلامس أنفه بأنفها وهي تبتسم وتصدر أصواتاً محببة، ويتكرر التناغم الثنائي، وفي كل مرة يزداد وليد ابتهاجاً.

يجتاز وليد في هذا العمر مرحلة مهمة من النمو تظهر خلالها ابتسامته ويبدأ نطقه وتطول فترة اتصاله البصري.

والوجه، بالنسبة إلى وليد، هو الآن الموضوع الأكثر تشويقاً، فبصره مفطور على مفاضلات معينة. فهو، مثلا، يفضل الخطوط المنحنية (كالوجنتين والحاجبين) على الخطوط المستقيمة. وتفتنه الحركة داخل إطار معين (كالشفاه المتحركة في الوجه).

بات وليدا قادراً على التحكم بنظرته المحدقة على غرار البالغين، بحيث يقرر أين ينظر وإلام ينظر ومدة التحديق، وهو يستطيع، بمجرد النظر إلى أمه، بدء اتصال معها لأنها غالباً تبادله النظرة بمثلها. ويستطيع أيضا تمديد الاتصال بابتسامة كبيرة أو انهاءه بإشاحة وجه.

لقد بات خبيراً في استهلال التفاعلات الوجهية أو وضع حد لها.

يتصرف الأطفال كأن العيون هي فعلا مرآة الذات، فبعد بلوغهم الأسبوع السابع ينظرون إليها كمركز جغرافي للوجه ومركز نفساني للمرء. عندما تلعبون “الغمّاضة” مع طفلكم فإنه يبدي ابتهاجه فور ازاحتكم الغطاء عن شعركم وجبينكم، لكنه حين يرى عينيكم يطير فرحا.

يستمر هذا التفاعل البصري الحاد طوال الحياة كامناً، عموماً، في خلفية السلوك البشري. لكنه، في لحظات معينة، يعود ويظهر على نحو طاغ. وعندما يبلغ وليد سن المراهقة، سينظر إلى عيني فتاة لدقائق من دون أن ينبس بكلمة. وسيقتصر اتصالهما عندئذ على لغة الوجه والتنفس.

وللتواصل البصري بين الأم وطفلها أهمية سريرية كبرى، ذلك لأن لوجه الأم وجوداً طاغياً في عالم الطفل الذي يغدو على معرفة تامة بملامح أمّه وحركاتها. فإذا انحرفت الأم عما ألفه الطفل منها، راوده القلق، وإذا امّحت التعابير عن محياها لانشغالها بمشاكل مع زوجها أو في عملها، ماتت ابتسامة الطفل وحل مكانها العبوس. وقد يكرر الطفل محاولة استدرار عاطفة أمه من خلال التبسم والإيماء، لكنه إن أخفق انكفأ حزيناً مربكاً.

وقد ينزع الطفل إلى تقليد مزاج أمه، وربما نشأت لديه مشاكل نفسية من جراء محاولته التعايش مع أولياء مصابين بانهيار عصبي أو اضطراب عقلي أو جنوح إلى العنف أو نزوع إلى القلق.

ويراود وليد في هذا العمر أيضاً احساس بأنه قادر على افتعال بعض الأمور في عالمه، وبأنه وسيلة فاعلة في ذاته. فهو حين يدير رأسه يتغير المشهد، وحين يغمض عينيه يظلم العالم.

ويتعلم وليد كذلك أنه كائن منفصل عن أمه، لكن توقيت هذه المعرفة وطريقة حصولها مسألتان ما زالتا موضوع تضارب حاد بين النظريات المتداولة في علم النفس. فلقد اعتقد الباحثون زمناً طويلا أن الأطفال يعيشون في حال انصهار لا تباينيّ مع أمهاتهم حتى الشهر السابع أو التاسع، بحيث لا يميزون بين تصرفاتهم ومشاعرهم وتصرفات أمهاتهم ومشاعرهن. لكننا اكتشفنا حديثاً أن قدرة الطفل على التمييز بينه وبين الآخرين تبدأ قبل بلوغه شهره الثالث أو الرابع.

يشهد وليد في عمره هذا تكوّن ثلاثة أنواع من الأحداث البشرية: أحداث الذات وأحداث الآخرين وأحداث الذات مع الآخرين. وهذا يعني، باختصار، أنه بدأ ينظم عالمة الاجتماعي الذي بات يضم أناساً مختلفين: وليد وأمه وأبوه على الأقل، ثم بقية الوجوه الوثيقة الصلة بحياته اليومية.

ولئن فوّت الطفل إحدى القدرات المتوقعة خلال هذه المرحلة، فقد يؤثر نقصها على تفاعلاته الاجتماعية، فالأطفال المتوحّدون الساهون عن الواقع، مثلا، لا يتصلون بصريا بالآخرين، ويبدو أنهم  يجدون الاتصال كريها.

الشهر الثاني عشر

يحقق وليد في هذا العمر اكتشافين كبيرين، أولهما أن له عقلا، وللآخرين أيضا، وأن له في تصوره الذهني الخاص رغبات وأحاسيس وخواطر وذكريات ونيات لا يراها الآخرون ما لم يحاول إظهارها، وثانيهما أنه قادر على مشاركة شخص آخر في تصوره الذهني.

فكيف نتحقق من أن وليداً اكتشف التصور الذهني؟

الجواب غاية في البساطة، فإذا أراد وليد الحصول على لعبة وُضعت في الجانب الآخر من الغرفة، فقد ينظر إلى أمه مستعينا بها. وإن كانت أمه لا تراها فسيبدأ، وهو في شهره التاسع، الاشارات إلى اللعبة وذراعه ممدودة وسبابته منتصبة، إلى أن تدير أمه رأسها وتنظر إلى اللعبة. ويفوز وليد بانتباه أمه.

والانتباه حالة فكر ذاتية، أي صورة ذهنية.

بدأ وليد في الأشهر القليلة الماضية يتصرف كأنه يعلم أن لديه نيات وأن طرق كشفها متعددة. فإن أمسكت أمه بقطعة حلوى ورغب هو فيها، مد ذراعه وفتح يده في اتجاهها ونقّل نظره بين قطعة الحلوى ويده التي يفتحها ويطبقها أمام أمه. ثم ينطق. وإن لم يجد النطق وجد وسيلة أخرى للإفصاح عما يجول في فكره، إلى أن تنتبه أمه لأمره، وقد يشد فستانها لبرهة ويتلفظ بنبرات صوتية ملحّة تعلو تدريجاً، وعيناه لا تبارحان قطعة الحلوى. فما يريده واضح، وهو يطلب من أمه أن تقرأ نياته.

الشهر العشرون

يغلب الهدوء على غرفة وليد، فهو وحيد ويود الانضمام إلى ذويه، فينزل من سريره ويذهب إلى غرفتهما ويندّس بينهما. وبعد برهة يقول له والده مداعباً: “يا بطتي الصغيرة.” فيجيب وليد: “بطة !” ويضحك والده مضيفاً: “أجل، أنت بطتي الصغيرة.”

حين شارف وليد شهره الثامن عشر حقق قفزة رئيسية أخرى إلى عالم الكلمات، والقدرة على الكلام كائنة في الجينات البشرية.. وكما تتفتح الزهرة، تتفتح القدرة على الكلام، التي يتفرد بها الانسان، في الوقت المناسب.

نجح وليد إلى الآن في إدراك موسيقى الكلام، أي الصوت البحت، مع قليل من المعنى. فقد برزت كلمة “بطة” هذا الصباح، فتعرف وليد إليها وبدأ يستكشفها متلاعباً بوقعها، ثم بدأ التحكم بالصوت والاحتفاظ به عوض تركه يمر مرور الكرام.

أخذ وليد وأبوه يتقاذفان الكلمة محاولين تحسينها كل مرة.

قال وليد: “أنا بطة” على رغم أن والده هو الذي أطلق عليه هذه التسمية، لأنه هو اكتشف العلاقة بين الكلمة الجديدة وتجاربه السابقة (نظرته إلى نفسه من خلال الرابط العاطفي بوالده). وهو لم يسمع عبارة “أنا بطة” من قبل لأن ما نطقه والده كان عبارة “يا بطتي الصغيرة.” لقد ابتكر وليد بمفرده عبارة “أنا بطة” عاكساً حب والده له ونظرته إليه.

السنة الرابعة

سأله صديق: “ماذا فعلت هذا الصباح؟” فأجاب: “دخلت غرفة أمي وأبي لألعب، ولعبنا جميعا لعبة المركب في السرير.”

فسأله الصديق: “كيف لعبتم هذه اللعبة؟”

أجاب: “نحن نعيش في مركبنا. كدت ألتقط سمكة كبيرة، لكنها فرت ثم عادت. إنها سمكة فريدة اسمها بطة، قد تكون مستديرة، وهي تستطيع الوثب فوق سطح الماء. صديقي جوج يستطيع الوثب أيضاً، وكذلك سامي، لكن سوسو لا تستطيع. وأنا أتعلم الوثب. لم أشاهد سمكة البطة أبداً، لذا لا أحد يعرف شكلها، لكنها سمكة مميزة جداً. لم نأكل سمكا اليوم، لكننا نأكله أحياناً.”

لقد خطا وليد خطوة كبيرة في نموه وبات قادراً على سرد قصة تتناول أحداثاً حصلت، وربطها بشخص آخر. لقد أصبح وليد راوي قصص بسيطة.

إن معظم الأولاد الذين تراوح أعمارهم بين سنتين ونص وأربع سنوات يبدأون فهم قصص تتناول حياتهم ويؤلفونها. وهو شأن يعتمده البالغون أيضا للتعبير عن معتقداتهم ومهنهم بقالب قصصي. فالقصة هي من أقوى أشكال التعبير عن الذات في كل حضارة، ومن أفعل القدرات في الحفاظ على استمرارية الحضارة.

لقد بات وليد قادراً، من خلال نسج قصة عن نفسه، على تفسير حياته وإعادة تفسيرها، ولم يعد يحتاج إلى مترجم مثلي، لأنه سيتكلم إليكم مباشرة من الآن فصاعدا.

الدكتور دنيال ن. سترن مجلة المختار عدد 158

مصدر الصورة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.